أولاً: مكان ولادته صلى الله عليه وسلم
ولد النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة على القول الصحيح الذي عليه الجمهور، واختُلف في مكانه من مكة على أقوال:
أحدها: في الدار التي في الزقاق المعروف بزقاق المولد في شعب مشهور بشعب بني هاشم – وكانت بيد عقيل-.
قال ابن الأثير -رحمه الله تعالى-: قيل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهبها عقيل بن أبي طالب فلم تزل بيده حتى توفي عنها، فباعها ولده من محمد بن يوسف أخي الحجاج، وقيل: إن عقيل باعها بعد الهجرة تبعاً لقريش حين باعوا دور المهاجرين.
الثاني: أنه - صلى الله عليه وسلم- ولد في شعب بني هاشم، حكاه الزبير.
الثالث: أنه ولد - صلى الله عليه وسلم- بالرَّدم.
الرابع: بعسفان(1).
قال الدكتور محمد أبو شهبة: وقد صارت هذا الدار إلى محمد بن يوسف الثقفي أخي الحجاج، ذلك أن ابن عقيل بن أبي طالب باع دور من هاجر من بني هاشم ومنها هذه الدار، وقد أدخلها محمد بن يوسف هذا في داره التي يقال لها: البيضاء، ولم تزل كذلك حتى حجت الخيزران أم الرشيد، فأفردت ذلك البيت وجعلته مسجداً، وقيل: إن التي بنته هي السيدة زبيدة زوجته حين حجَّت وقد بقى هذا المسجد حتى هدم أخيراً(2).
ثانياً: زمان ولادته صلى الله عليه وسلم
لما أخذت أشهر الحمل بالسيدة الشريفة آمنة بنت وهب تتقدم وهي تترقب الوليد الذي حملته في بطنها تسعة أشهر، ولما بلغ الكتاب أجله، وبعد تسعة أشهر أذن الله للنور أن يسطع وللجنين المستكن أن يظهر إلى الوجود، وللنسمة المباركة أن تخرج إلى الكون، لتؤدي أسمى وأعظم رسالة عرفتها الدنيا في عمرها الطويل.
قال الإمام الشامي: الصواب أنه - صلى الله عليه وسلم- ولد يوم الاثنين. روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود عن أبي قتادة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن يوم الاثنين فقال: (ذاك يوم ولدت فيه وأنزل عليّ فيه).
وروى يعقوب بن سفيان عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: ولد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين، واستنبئ يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين، وخرج مهاجراً من مكة إلى المدينة يوم الاثنين وقدم المدينة يوم الاثنين ورفع الحجر الأسود يوم الاثنين(3).
وروى الزبير بن بكار وابن عساكر عن معروف بن حزّبوذ - رحمه الله تعالى- قال: ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين حين طلع الفجر.
وقال الحافظ أبو الفضل العراقي في المورد: الصواب أنه - صلى الله عليه وسلم- ولد في النهار وهو الذي ذكره أهل السير. وحديث أبي قتادة مصرح به.
وعن سعيد بن المسيب - رحمه الله تعالى- قال: ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عند إبهار النهار وجزم به ابن دحية وصححه الزركشي في شرح البردة(4).
ومن قال: كذلك أنه ولد يوم الاثنين ابن إسحاق وابن كثير وابن القيم وغيرهم كثير، والحق معهم للحديث السابق.
أما عن الشهر الذي ولد فيه وتاريخ هذا اليوم فقد اختلف فيه العلماء، فقال ابن إسحاق: ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول، عام الفيل(5).
وقال ابن كثير: ولد -صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول وقيل ثامنة، وقيل عاشرة، وقيل: لثنتي عشرة منه، وقال الزبير بن بكار ولد في رمضان وهو شاذ حكاه السهيلي في "الروض"(6). وقيل في التاسع من شهر ربيع الأول(7).
أما العام: فقال ابن إسحاق - رحمه الله تعالى-: عام الفيل، قال ابن كثير وهو المشهور عند الجمهور، وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ البخاري: وهو الذي لا يشك فيه أحد من العلماء، وحكاه خليفة بن الخياط وابن الجزَّار وابن دحية وابن الجوزي وابن القيم وغيرهم إجماعاً(
.
وروى البيهقي والحاكم، عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم الفيل. يعني عام الفيل(9).
وروى ابن إسحاق وأبو نعيم والبيهقي عن المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قال: ولدت أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- عام الفيل كنا لِدَيْنِ(10).
وسأل عثمان بن عفان قياث بن أشيم الكناني ثم الليثي: يا قياث أنت أكبر أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكبر مني، وأنا أسن منه!! ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عام الفيل ووقفت بي أمي على خذق الفيل أخضر مُحِيلا(11).
وعلى هذا فقيل: بعد الفيل بخمسين يوماً. قال ابن كثير وهو أشهر، وصححه المسعودي والسهيلي. وزاد أنه الأشهر والأكثر وقيل: بزيادة خمس. وقيل: بزيادة ثمان.
وروى ابن مسعود ابن عساكر عن أبي جعفر الباقر -رحمه الله تعالى- قال: كان قدوم أصحاب الفيل في النصف من المحرم ومولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعده بخمس وخمسين ليلة.
وصحح الحافظ الدمياطي هذا القول.
وقيل بأربعين يوماً. وقيل بشهر وستة أيام، وقيل بعشر سنين، وقيل بثلاثين عاماً. وقيل بأربعين عاماً. وقيل بسبعين عاماً(12).
وكان مولده -صلى الله عليه وسلم- لأربعين خلت من ملك كسرى أنو شروان، ويوافق ذلك العشرين أو الثاني والعشرين من شهر أبريل سنة 571 وقيل: 570(13).
ومن هنا نأتي على القول بأنه ولد في يوم الاثنين في شهر ربيع الأول لأول عام من حادثة الفيل هذا هو القول الذي عليه أغلب العلماء.
وروى ابن سعد أن أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قالت: لما ولدته خرج مني نور أضاءت له قصور الشام(14).
وقد روى أن إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميلاد، فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، وخمدت النار التي يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت روى ذلك البيهقي(15).
قال الشيخ الألباني – رحمه الله- في كتابه : "صحيح السيرة النبوية" (14) ما نصه : " ذكر ارتجاس الإيوان وسقوط الشرفات وخمود النيران ورؤيا الموبذان وغير ذلك من الدلالات و ليس فيه شيء".
قلت: ومراده –رحمه الله – أنه لم يرد فيه شيء صحيح.
ويقول الدكتور أكرم ضياء العمري – حفظه الله – في كتابه القيم: "السيرة النبوية الصحيحة" (1/98-101) ما نصه: "... وكذلك وردت روايات موضوعة حول هواتف الجان في ليلة مولده وتبشيرها به، وانتكاس بعض الأصنام في المعابد الوثنية بمكة. وحول ارتجاس إيوان كسرى، وسقوط شرفاته، وخمود نيران المجوس، وغَيض بحيرة ساوة، ورؤيا الموبذان الخيل العربية تقطع دجلة، وتنتشر في بلاد الفرس. كذلك وردت روايات ضعيفة عن إخبار يهود بليلة مولده، وإخبار الراهب عيصا بمر الظهران بمولده. وقول العباس عمه إنه رآه في المهد يُناغي القمر. ولكن ثمة أخباراً تَقوى ببعضها إلى الحسن احتفَّت بمولده منها ما يفيد أن آمنة رأت حين وضعته نوراً خرج منها أضاءت منه قصور بصرى من أرض الشام." اهـ
ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بحفيده، فجاء مستبشراً ودخل به الكعبة، ودعا الله وشكر له، واختار له اسم محمد(16).
هذا ما كان في مولده -صلى الله عليه وسلم-، جعلنا الله من المتبعين لسنته، المهتدين بهديه، المقتفين أثره، إنه سميع قريب، والحمد لله رب العالمين