حقيقة الصراع حول هوية القناة الثانية 2M
د. عبد اللطيف بروحو
الأربعاء 25 أبريل 2012 - 22:17
لم يعرف المغرب في تاريخه السياسي مثل هذا الجدل المرتبط بإصلاح القطب الإعلامي العمومي، المشكل من القنوات التلفزية العمومية (بما فيها القناة الثانية 2M) والإذاعات الوطنية والجهوية، فقد انقسم الرأي العام الجماعي بشكل غير مسبوق، ووجد المواطن نفسه أمام حروب إعلامية لا تعبر عن انشغالاته ولم يفهم من خلالها من يحارب من ولأي هدف؟
فالنقاش لم يعد ينصب على مبدأ المراجعة لدفاتر التحملات أو تحديث القطاع الإعلامي العمومي، وهو مطلب ملح وآني نظرا لما يعرفه المشهد الإعلامي الوطني من تردي وتخبط هوياتي، بقدر ما تحول إلى معسكرين متضاربين: الحكومة التي تصر على تحديث الإعلام وجعله معبرا عن هوية الشعب المغربي وتطلعاته وهمومه وانشغالاته، وبعض القوى التي تخشى هذا الإصلاح الذي سيفقدها ريعا ماليا لا يعلم المواطن عنه أي شيء.
والمواطن العادي اليوم لا يفهم لم هذه الحرب على الوزير مصطفى الخلفي، ولا يجد مبررا لهذه الحملة الإعلامية المشبوهة على دفاتر التحملات، ويتساءل الجميع حول ما إذا كان رفع الاذان في القناة الثانية، أو نقل وقائع صلاة الجمعة، وإعادة ترتيب نشرات الاخبار، هي فعلا السبب الرئيسي لهذا العداء المفاجئ للوزير الخلفي؟
فهنا يحق لنا التشكيك في توقيت هذه حرب الإعلامية وأهدافها الحقيقية، هل هي الخوف من كشف واقع القنوات الإذاعية والتلفزية والريع المالي الذي تشكله لفائدة بعض المنتجين والمستفيدين بدون موجب قانوني؟
أم أنه فعلا التخوف من تغيير هوية القناة الثانية 2M التي تكن يوما تعبر حقيقة عن هوية المغرب بكامل تنوعاته السوسيو ثقافية؟
فقد شهد الأسبوع الماضي حركية سياسية وإعلامية غير معهودة في السابق، بين الحكومة التي تصر على تحديث القنوات وإصلاح أعطابها، وضبط طرق صرف الاعتمادات المالية، ووضع شروط واضحة للاستفادة من أموال دافعي الضرائب؛
وبين أطراف تستفيد من الفساد المستشري في هذه القنوات التلفزية، وتحاول صرف الانتباه عبر افتعال معركة وهمية تتعلق بهوية ومرجعية هذه الحكومة، على الرغم من أن من يدعي مواجهة هذه الهوية والمرجعية لا يفصح عن هويته ومرجعيته، ولا يصارح المواطنين بما يستهدفه من هذه الحرب الكلامية.
وهذا الوضع يدفع لإعادة فتح النقاش حول الهوية والمرجعية، أكثر مما يركز حول انتظارات المواطنين من هذه الحكومة، ويعيد الجدل حول هوية ومرجعية حزب العدالة والتنمية، وهي مرجعية الشعب المغربي في عمومه، ويعيد إنتاج خطاب المشروع الحداثي الذي استعمله البعض بشكل مخالف لثوابت الدولة المغربية، مما أعاد الخلط بين الحداثة والتناقض مع هوية ومرجعية الشعب المغربي من أساسها.
تحريف الحداثة ومعارضة الإصلاح:
فالحراك السياسي الذي شهده المغرب خلال السنوات الأخيرة لم يكن ليتجاوز الصراع السياسي داخل المؤسسات الدستورية، فالطروحات الحداثية كما تم تسويقها لم تحظ رغم أهميتها بقبول المجتمع المغربي الذي بقي متوجسا من بعض الدعوات ذات الأساس الحداثي.
ويرجع السبب الأساسي لتزعم قلة من اليسار العلماني لهذه الدعوات، مما جعل مفهوم الحداثة يلتصق، بشكل غير سليم، في الذهن الجماعي للمغاربة بالاشتراكية وبالعلمانية، وهذا تسبب في خلط كبير في المفاهيم لدى المثقف المغربي ولدى الفاعلين السياسيين أنفسهم بشكل خاص.
فرغم أن حزب العدالة والتنمية يعتبر حزبا سياسيا متطورا بامتياز، ويعتمد بحق مباديء الحداثة والديمقراطية كقواعد لعمله السياسي، فإن نزوع اليسار وبعض التيارات العلمانية إلى معاداته باسم الحداثة أدى إلى مزيد من الخلط في المفاهيم.
وزاد من حدة هذا الخلط قيام هذه القوى العلمانية بمحاربة العدالة والتنمية عبر معاداة المرجعية الإسلامية لهذا الحزب، وهو ما أدى إلى نفور المجتمع من كلمة الحداثة وتم ظلمها بسبب هذا الخلط،
وقد كان نفس الجدل قد أثير عند مناقشة الإصلاح الدستوري خلال السنة الماضية، بحيث كانت هذه القوى السياسية تركز على ضرورة نزع الطابع الإسلامي عن الدولة، ودفعت بضرورات تحديث الدولة، في حين عملية التحديث تختلف جذريا عن هذا الأمر، بل إن هذه الدعوات أدت إلى نتائج عكسية وخلقت نقاشا آخر يرتبط بالأساس الإسلامي للدولة، رغم أن هذا الأمر لم يكن يثير في السابق أية إشكالات.
وخلال الأسبوعين الأخيرين ظهرت بوادر تشير إلى عودة بعض التحركات من داخل القنوات الإعلامية تهدف لتحوير النقاش من إصلاح هذه القنوات التلفزية، إلى محاربة ما سموه أسلمة التلفزة العمومية.
وأمام هذا الوضع برزت انتقادات عدة توجه للعدالة والتنمية تتهمه بتنزيل برنامج هوياتي ومرجعي وهمي لا أساس له في الواقع، ولا يتضمنه البرنامج الحكومي، من أجل تغيير هوية القناة الثانية (التي لم تكن لها أية هوية أصلا)، وكان الهدف الأساسي يكمن في تحوير النقاش من إصلاح المشهد الإعلامي إلى افتعال حروب تلهي الشعب المغربي عن مطالبه الإصلاحية الحقيقية.
وتعتبر محاولة الحكومة ضبط الأداء المالي لهذه القنوات أحد المسببات الرئيسية لهذه الحرب، وكان نشر الواقع الخطير لكيفية التصرف في الاعتمادات المالية للقنوات التلفزية هو السبب الأساسي لبروز هذه الخرجات الغعلامية غير المسبوقة لأشخاص أدى تدبيرهم إلى إفلاس الإعلام العمومي.
كما برزت دعوات من بعض زعماء الأحزاب السياسية تنتقد دفاتر التحملات بشكل يؤكد أنهم لم يطلعوا أصلا على هذه الوثائق، وكان خرجاتهم الإعلامية تركز على طابع الإيديولوجي، على الرغم من أنهم لم يجرؤا على توضيح إيديولوجيتهم للشعب المغربي.
كما لم يجرؤ أي من هؤلاء الزعماء على توضيح مواقفهم من الفساد المستشري في هذه القنوات التلفزية العمومية، وهذا أمر خطير، على اعتبار أن تحويل النقاش للطابع الهوياتي يستهدف التستر على الفساد داخل هذه القنوات، لأن أهمية دفاتر التحملات تكمن في فضح الفساد المالي ومحاربته، ولا تتعلق بأي شكل من الأشكال في تغيير هوية قناة لم تكن في يوم من الأيام تعبر عن هوية الشعب المغربي
الموضوع الأصلي :
حقيقة الصراع حول هوية القناة الثانية 2M //
المصدر :
منتديات أحلى حكاية //
الكاتب: agiliedi