قبل أقل من 15 عاما كانت محاميد الغزلان -آخر واحة في أقصى جنوب شرق
المغرب قبل الصحراء الكبرى- تعتمد أساسا على الزراعة لكن الجفاف اضطر
سكانها للبحث عن وسائل أخرى لكسب الرزق.
باع كثير من هؤلاء أراضيهم
لشراء ما يلزم لاستقبال السياح الذين يتوافدون على المنطقة بحثا عن السلام
والسكينة والهدوء بعيدا عن ضغوط الحياة في المدن الكبيرة بالغرب.
وأصبحت
السياحة حاليا تمثل نحو 80 في المئة من النشاط الاقتصادي في محاميد
الغزلان التي تملأ تنتشر على جانبي شارعها الرئيسي دكاكين تباع فيها
مصنوعات يدوية محلية ووكالات للسفر والسياحة ومتاجر تقدم كل أنواع الخدمات
مثل تأجير السيارات وتنظيم رحلات في الصحراء للسياح الأثرياء ورحلات أخرى
تناسب السياح ذوي الميزانيات المحدودة.
وينتهز السياح الذين يصلون الى ذلك الركن البعيد في المغرب الفرصة لينغمسوا في أسلوب الحياة المحلي.
وتختلف
قيمة الوقت في محاميد الغزلان عن قيمته في الغرب فنمط الحياة بطيء والناس
لا يعرفون العجلة على الاطلاق. كما أن المال ليس هو الهدف الرئيسي للسكان
الذين يكتفون بالدخل الذي يحققونه من السياحة. ويكسب منظم الرحلات
الصحراوية 25 ألف درهم مغربي في المتوسط خلال موسم السياحة الذي يستمر خمسة
أشهر من دجنبر حتى أبريل ، بينما يحصل المرشد السياحي على ما يصل الى 300
درهم مغربي في اليوم.
وقال خبير في الترويج السياحي يدعى عبد الخالق
بن عليلة "تطورت السياحة في محاميد الغزلان بفضل تواجد مجموعة من المآثر
في مناطق أولاد كريز والقصبات وكذلك المحاميد البالي. وتتميز المحاميد
بجمال صحرائها وأنشطتها المتنوعة كقوافل الجمال والخيام والسياحة الصحراوية
التي ترتكز عليها المدينة. أصبحت محاميد الغزلان منطقة معروفة ومن النقاط
البارزة في المغرب لأن كل سائح جاء الى المغرب وخصوصا الى الصحراء لا بد ان
يزور محاميد الغزلان ومراكش والصويرة."
وتتميز السياحة في محاميد
الغزلان بأنها مناسلة لكل الدخول. فالأثرياء يقيمون في فنادق فاخرة ويركبون
سيارات رباعية الدفع ويستمتعون بكل مزايا الشخصيات المهمة.
ولكن
معظم السياح الذين يزورون الواحة يقبلون الإقامة في فنادق صغيرة متواضعة أو
في خيام وسط الرمال حيث يمكنهم مد البصر إلى الصحراء الشاسعة نهارا
ومراقبة النجوم ليلا. كما يمكنهم الاسترخاء تحت أشجار النخيل أو الخروج في
رحلات على ظهور الإبل أو في سيارات رباعية الدفع أو التجول بين الحصون
القديمة أو دفن أجسامهم في الرمال أو الاستمتاع بتدليك تقليدي.
وتبحث
البريطانية نانسي باترسون التي كانت تعمل في بيع الأعمال الفنية قبل ان
تفتح فندقا في محاميد الغزلان عن زوار يقبلون ان يعاملوا كأصدقاء لا كزبائن
يدفعون أجرا مقابل الإقامة. وتسعى نانسي لتشجيع زوارها على الاستمتاع
بتبادل الحديث والأفكار وسط الطبيعة الخلابة في بالمنطقة.
كما تسعى
الى تشجيع الفنانين والعازفين في الخارج على الحضور الى محاميد الغزلان
للتعرف على السكان المحليين ومتابعة اهتماماتهم وأنشطتهم وسط سكون الصحراء.
وقالت
نانسي باترسون "أريد سياحا يأتون الى هنا ليحضروا شيئا من شخصيتهم
وليستكشفوا جزءا من المغرب وخاصة الموسيقى والفن.. الموجود هنا وموجود
بكثرة."
وذكر زائر يدعى توفيق يوسفي أقام عدة سنوات في كندا وبلجيكا
أنه عثر على السلام الداخلي في محاميد العزلان. وعلى غرار كثير من الزائرين
للواحة يمضي يوسفي ساعات طويلة في التأمل والبحث عن الذات.
وقال
توفيق يوسفي "انها منطقة تقليدية جدا. وعندما نتحدث عن التقاليد فهذا يعني
القيم. وإذا وجدت القيم توجد محبة الإنسانية. هذه إحدى المناطق الشعبية
بالمغرب التي ما زالت مباديء الإنسانية موجودة فيها.. الدفء وكرم الضيافة."
وتستقبل
محاميد الغزلان سنويا زوارا من أماكن بعيدة مثل ألاسكا وجنوب افريقيا
واستراليا ونيوزيلندا وآخرين من اوروبا وكندا والولايات المتحدة.
لكن الواحة لا يزورها سياح من العالم العربي ربما لوجود الصحاري في معظم الدول العربية.
ورغم ذلك دعا نور الدين بوكراب مدير مهرجان البدو الرحل في محاميد الغزلان السائحين العرب للحضور إلى الواحة.
وقال "طموحنا أكبر وهو ان ننفتح على العالم العربي خاصة والثقافة البدوية لنقتسم اختلافاتنا. وأيضا لنحتفي بما نتشابه فيه."
وكانت
محاميد الغزلان في الماضي محطة تتوقف فيها القوافل في طريقها من تمبكتو في
مالي وإليها. والآن لا تزال مكانا يلتقي فيه زوار ينتمون لثقافات وديانات
مختلفة.