قَصَائِد بُرْتُغَالِية حسن نجمي الى نونو جُودِيسْ، شاعراً وَصدِيقاً. I - كَازَا دِي مَاتْيُوسْ(البرتغال، يونيو 2006)اشْتَغَلْنَا اليومَ بِكَثَافَةٍ. شَرِبْنَا كَثيراً مِنَ القَهْوةِ.
تَرجَمْنا كَثيراً من شِعْرنا إِلى البُرتُغَالية. كَان الغذاءُ جَميلاً مع
فيرناندو وإِمِيلْيا ألبوكيركي. في قَصْرِ الضَّيْعَةِ كَانت إِمِيلْيا
الطيبة بعينين يَنْقُصُهما النُّعَاسُ. تَحدَّثَ الشاعر عن فَلْسَفَةِ
النَّبيذِ بإِسْهَابٍ. فَتَنَنِي المكَانُ والمدفأة. الصحون الصينية.
المرآة. خزانةُ الخشبِ. الأريكةُ. الوَدَاعَةُ كلُّها. وتَمَشَّيْنَا -
نونو جُوديسْ وَأَنَا - قرْبَ برْكَةِ الضَّفَادِع. تَوَقَفْنَا قليلاً
قُرب شجرة الأرز الباذخَةِ. ما زالت هناك تجدّدُ نُسْغَها بَعْدَ قَرْنٍ
ونيفٍ. كأنها مغربيةٌ غريبةٌ في شَمَالِ البرتُغال. قَطَعنا الكرز. بحثنا
عن أَسماء الوُرُود التي لا نعرفُها. فيرناندا خصصت لنا وقْتاً كي نتعرفَ
على مكتبةِ كَازَا دي ماتْيُوسْ. لامَسْنَا كَتُبَ كَامويشْ في طبعاتها
الأولى. كأنَّنا لَمسْنَا يَدَ الشَّاعِر.ِ ماريا أندرسَنْ تداعب
«رُوجْنَا» كلب العائلة الأسود. مَقْطُوعُ الذَّيْل كلبُ العائلة. يحدثني
جُونَاسْ عن ترجمته «للفردوس المفقود». بين يديه النسخة البرتغالية
الأنيقة. (فَاتَ ميلتُونْ -للأسَف -هذاَ الاحتفَاءِ). فِيليِبَّا تكلمنا عن
ديوانها الشعري الوحيد زاهيةً بمرآة كلماتها. وتَحمَّسنا مَعَ مانْوِيلاَّ
في صالة الضيوفِ كي نُتابع مقابلة إيران ضد البرتغال في المونديال.
استرحنا قليلا ونحن نتحدث عن فيرناندو بْسُوَّا. عن صوفيا دي ميللُّو. عن
دي أنْدرادي وانطونيو راموس رُوزا. لم نَنْسَ روايات ساراماغُو. وكيف
حقَّقَ هذا الحدَّادُ* البسيطُ المجْدَ الذي كان يشبهُ المستحيلَ. واصلتُ
قليلاً حِوَاراً ناعماً مع جُوديسْ. قَدِ ازْدَاد شغفي بِشعرهِ. احترمتُ
إيثاره الصَّمْتَ. وفي الممر إِلى الغرفة بَدَا الضوء شاحباً وأَحسستُ
بالنُّعاسِ.
فِي كَازَا مَاتْيُوسْ. شَمَالَ بُّورْطُو. قُرْبَ فِيلاَّ رِيَّالْ -
كان النَّهْرُ لاَ يَزَالُ مُنْحَدِراً مِنْ أَعْلَى الجَبَلِ دافقاً
منْدفِعاً يحاذي غُرفَتي. كُنْتُ آمُلُ فِي صَمْتِ اللَّيْلِ، لأَفُكَّ
أَبجديَّةَ خَرِيرِهِ.
لم أَنَمْ - طَوَالَ اللَّيْلَةِ فَكَّرْتُ في القصيدةِ وهي تَعْبُرُ الأُفقَ من لُغَةٍ إِلى لُغَةٍ.
وَطَوَالَ اللَّيلَةِ - بِتُّ أَطْمعُ فِي فَهْمِ أَسْرَارِ المَاءْ.
II - عَارِيَة في بِرْكَةِ كَازَا دِي مَاتْيوسْفِي بِرْكَةِ كَازَا مَاتْيُوسْ. اتَّكَأَتْ عَارِيَةً تَمَامًا. لم
يَكُنِ الاحْتِشَامُ شَاغِلَهَا. حَرَّكَتْ كَفَلَها قَلِيلاً نَحْوَ
الأَعْلَى. بَدَتْ هُنَاكَ وَقَدْ غَمَرَهَا المَاءُ كَمَا لَوْ كَانَتْ
شَغُوفَةً بِنَقِيقِ الضَّفَادِع.. بِجَلاَلِ المَكَانِ.. بخُضْرَةِ
الأَشْجَارِ. لَوْلاَ مَلْمَسُهَا العَارِي عَلى صَفْحَةِ المَاءِ
المُخْضَوضَرِ كَانَتْ سَتَظَلُّ البِرْكَةُ وَحِيدَةً فِي الفَرَاغِ
مِثْلَ عَاطِلٍ عَنِ العَمَلِ.
لَهَا الفَضْلُ لِكَوْنِهَا هُنَاكَ. نَرَاهَا أوَّلاً ثُمَّ نَرَى انْعِكَاسَ مِعْمَارِ القَصْرِ عَلَى المَاءِ.
نَرَاهَا وَهِيَ تَمْنَحُ لِلصَّمتِ حَجْماً. نُنْصِتُ لِلضَّفَادِعِ تَنِطُّ جَذْلَى فَتُصِيبُ المَاءَ بِالتَّجَاعِيدِ.
شُكْراً للنَّحاتِ الَّذي أَعْطَى لِلْبِرْكَةِ عُمْراً آخَرَ.
شكراً لَهُ. عَرَفَ كَيف يَدُقُّ بابَ الرغْبَةِ
كيفَ يَسْتَولِدُ هَذَا الجَسَدَ ولم يَكُنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ مِنْ رُخَامٍ.
III - نَهْرٌ يَمُرُّ فِي إِقامَةِ الشُّعَراء بكَازَا دي ماتْيُوسَْهْرٌ يَمُرُّ مُعْتَدّاً بِمَائِهِ.
تَضَعُ غُرفَتِي قَدَمَيْهَا عَلَى حَجَرِه المُبْتَلِّ.
تُجاوِرُهُ شُجَيْرَاتُ الكَرَزِ وَالتُّوتِ البَرِّي.
شَجَرُ الصَّفْصَافِ.
شَجَرُ السَّرْوِ الظَّلِيلُ.
مُعْتَزَلاَتُ الظِّلِّ. الأَعْشَابُ. التَّعْرِيشَاتُ.
قد لاَ يَعْرفُ كُلُّ هَذَا الشَّجَرِ أَنَّهُ كَانَ يُسْعِدُني.
وَالمَطَرُ الوَدُودُ الذِي صَارَ غَادِراً فِي المَسَاءِ.
وَالنَّخْلُ اليَتِيمُ.
خَطْوُنا حَذِرٌ في المَمْشَى المعْتِم.
وَالحَارسُ الرُّومَانِيُّ يَتَقَدمُ بِمصْبَاحِهِ اليَدَوِي.
والحاجِزُ الحَجَري.
وَالأَتْرِبَةُ تَنَعَّمَتْ بالمطر طَوَالَ النَّهارِ.
ظَلَّ ظَمَؤُهَا فَاحِشاً.
وَأَنَا - لَمْ يَتْرُكْنِي النَّهْرُ لَحْظَةً وَاحِدَةً
لِصَمْتِي.
يَمُرُّ بِغُرفَتِي كَأَنَّنِي أَضَعُ رَأْسِيَ وِسَادَةً مِنْ مَاءٍ.
مَاءٌ شَغُوفٌ بِخَرِيرِهِ يَهَبُ أَجْنِحَةً للقَصِيدةِ المُقْبِلَة.
IV - مَطَرٌ برتُغاليكَأَنَّ السَّمَاءَ فَوقَ الضَّيْعَةِ تَخْشَى تَصَحُّرَ الرُّوحِ.
أَذِنَتْ لِلْمَطَرِ أَنْ يكُونَ حُرّاً كَالأَنْهَارِ كُلَّ مَسَاءٍ.
لَمْ نَكُنْ في حَاجَةٍ إِلى ضَوْءٍ.
كَانَتِ البُرُوقُ تَكْفِي.
قَد امْتَلأْتُ بِغبْطَةِ المَاءِ العَمُودِي.
لكِنَّ تَيَّارَ الهَوَاءِ كَانَ مُؤْذِياً فَعَطِسْتُ طَوِيلاً.
في البُرتُغَالِ. فِي كَازَا دِي مَاتْيُوسْ -
لاَ حَاجَةَ إِلى ذَاكِرَةٍ تَعُودُ بِكَ
سَيُلْهِيكَ اللَّيْلُ وَالمَطَرُ وَالنَّهْرُ...والأَصْدِقاءُ.
لَنْ تُفَكّرَ في الحَربِ القديمةِ.
لَنْ تُفَكِّرَ في دِي سِيباستْيانَ والسَّعْديِّينَ.
فَقَط - سَتُفَكِّرُ الآنَ في الشِّعْرِ.
فِي قَصِيدَتِكَ.
فِي الكَلِمَاتِ الَّتي لم تُسْتَعْمَلْ مِنْ قَبْلُ.
V - مَمَرُّ الظِّلِّشَجَرٌ سَامِقٌ يَتَعَانَقُ َكَالعُشَّاقِ.
يَسْتَريحُ تَحْتَ زُرْقَةِ سَمَاءٍ صَدِيقَةٍ.
يشكلُ أَجْمَلَ مَمَرٍّ لِعُبُورِ الظِّلاَلِ.
هُنَا يُمْكِنُ لِلطُيُورِ المُهَاجِرةِ أَنْ تَتَوقَّفَ لِتَسْتَجْمِعَ أَنْفَاسَهَا.
وَيُمكنُ لِلعَنْدَليبِ أَنْ يَرقُصَ فِي الظِّلِّ.
عَلى أَغْصَانٍ هَيَّأَتْ لَهُ سَرِيرَ الخُضْرَةِ.
لِلقُبَّرَاتِ أَنْ تَرَى وَجْهَهَا عَلَى مَرَايَا الشَّجَرِ.
وَيُمْكِنُ لِلثَّعْلَبِ أَنْ يَعْبُرَ دُونَ أَنْ يَخَافَ ذَيْلَهُ.
هُنَا أَيْضاً -يُمْكِنُ لِلشَّاعِرِ المَغْرِبيِّ أَنْ يَمُرَّ صَامِتاً.
فَيَنْعَكِسَ الاخْضِرَارُ عَلَى مِعْطَفِهِ المَطَرِيِّ.
كَمَا كَانَ يَمُرُّ بّْسُوَّا عَلَى الرَّصِيفِ المُبلَّطِ فِي لَشْبُّونَةَ.
وَهُو يُعَدِّلُ قُبَّعَتَهُ قَلِيلاً.
مُمْسِكاً بِرَأْسِ الخَيْطِ فِي قَصِيدَةٍ -
وَقَدِ ازْرَوْرَقَتْ بِجِوَارِ المَاءِ كَلِمَاتُهُ.
حَالَةُ فِرنَانْدُو بّسُوَّا لَمْ يَعُدْ يَرَى الطَّريقَ أَمَامَهُ.
«لَمْ يَعُدْ يَعْرِفُ مَا يَفْعَلُ».
«لَمْ يَعُدْ يَعْرِفُ مَا يُرِيدُ».
«لَمْ يَعُدْ يَعْرِفُ مَا يَعْرِفُ».
مَا زَالَ هُنَا سَاهِياً.
يُدَاري الوَجَعَ فِي قِرَاءَةِ الجَرِيدَةِ.
تَجَعَّدَتْ مَلاَمِحُهُ قَلِيلاً.
صَارَ يَنْحَنِي بَعْضَ الاِنْحِنَاءِ،
سماؤه أَضْحَتْ مَحْجُوبةً.
لَمْ يَعُدْ يَعْرِفُ كَيْفَ يُرَصِّعُها فِي العَشِيَّاتِ.
وَلاَ مِنْ أَيْنَ يَأْتِيهَا بِالنُّجُومِ.
وَحْدَهُ فِي عَثْرَتِهِ الهَيِّنَةِ في انْخِسَافِ النَّظَرِ.
لَمْ تَعُدْ تُطَاوِعُهُ الخُطَى وَالقَصِيدَةُ.
هُو الآنَ يُلاَقِي الكَلِمَاتِ.
لَمْ يَعُدْ يَعْرِفُ مَا يَكْتُبُ.
فقط -يُوَاصِلُ عَمَلَه في وَرْشَةِ اللاَّطُمأْنينة.
من ديوان جديد لم يصدر بعد، بعنوان
"أذى كالحب – يوميات شخص يطل على حياته"