AGILIED1 عضو VIB معلومات اضافية
الجنس : عدد المساهمات : 1304 تاريخ التسجيل : 17/11/2011 العمر : 25 | موضوع: ...بحت عن الادخار... الخميس نوفمبر 17, 2011 9:12 pm |
| الادخار الادخار ظاهرة اقتصادية أساسية في حياة الأفراد والمجتمعات, وهو فائض الدخل عن الاستهلاك, أي إِنه الفرق بين الدخل وما ينفق على سلع الاستهلاك والخدمات الاستهلاكية. لذلك يطلق بعضهم أيضاً على الادخار لفظ «الفائض». ويكمن الادخار في اقتطاع يستهدف تكوين احتياطي, علماً أن هذا الاحتياطي يمكنه أن يفيد بالتناوب للاستثمار أو لاستهلاك آجل. المنظور التاريخي تبلور مفهوم الادخار منذ بدء الفكر الاقتصادي المنظم بالعلاقة مع مفهوم الفائض الاقتصادي. فهو من الدلالات العميقة التي تكمن خلف اهتمام الفكر الاقتصادي للتجاريين «المركنتيليين» بميزان تجاري إِيجابي وزيادة الاحتياطي من الذهب والفضة بوصفهما الثروة الرئيسة المرغوب فيها. وقد أبرز التجاريون أهمية المعادن الثمينة لأنهم عاشوا في القرنين السادس عشر والسابع عشر, إِذ سادت فيهما الحروب بين الدول وقل الإِنتاج وزاد الخوف من قلة الأغذية والمواد الأولية فكان تملك احتياطي ذهبي يعني تملك مزية الشراء نقداً إِضافة إِلى المزايا الاقتصادية والسياسية الأخرى. وهذا يعني أيضاً أن على الدولة أن تتدخل لتوجيه الاقتصاد الوطني. فالفكر الاقتصادي للتجاريين كان مرتبطاً بمرحلة البرجوازية النامية في حضن الإِقطاع, وكان على هذه البرجوازية آنذاك أن تدعم نفسها بقوة الدولة. ويعد الادخار كذلك من المعاني التي يوحي بها الفكر الفيزيوقراطي الخاص بإِنتاجية العمل الزراعي. فمن المعروف أن ما يميز الإِنتاجية لدى أصحاب هذا الفكر هو أن العمل الزراعي يوفر فائضاً في حين أن غيره من الأعمال لا يضمن ذلك. ويظهر مع التقليديّيْن الكبيرين سميث وريكاردو, وهما من أصحاب مذهب الحرية الاقتصادية, الاهتمام الواضح بالادخار واستخدامه المثمر. إِن سميث يقدم نموذجاً لزيادة الثروة والازدهار يقوم على قاعدة التراكم الرأسمالي. فكل ازدهار اقتصادي مشروط بتكوين رأسمالي سابق, ولكي يتحقق هذا التكوين لابد أن يسبقه الادخار. يقول سميث في كتاب «ثروة الأمم»: «إِن رأس المال يزداد بالادخار ويتناقص بالهدر وسوء الإِدارة... والصناعة التي غدت تحقق المزيد من الادخار, ماذا كان بإِمكانها أن تعطي من دون الادخار», وعلى هذا الأساس «فإِن زيادة الادخار تؤدي إِلى زيادة رأس المال الثابت, أي زيادة توسع الصناعات الحقيقية ثم زيادة كمية العمل المنتج المستخدم, مما يتيح تقسيماً أكبر للعمل الاجتماعي ورفعاً لمستوى الإِنتاجية مما يؤدي إِلى زيادة كمية الإِنتاج الإِجمالي وقيمته وذلك باتجاه تحقيق رفاهية السكان». ومشهور هجوم سميث على ما كان يعده تبديداً للفائض على يد الدولة الإِقطاعية, والملكية وانتقاده نفقات النبلاء وأثرياء التجار لأنهم يستخدمون الفائض الاقتصادي بطريقة غير منتجة. وكان لريكاردو الاهتمامات نفسها, فهو يعتقد أن من الضروري للتقدم الاقتصادي أن يزيد الإِِِِنتاج إِلى أقصى حد ممكن, وأن يؤلف الجزء الأكبر من هذا الحد الأقصى فائضاً يمتلكه المنظَّم الذي يعيد استثماره. وهذا هو ما يجعل ريكاردو ينادي بأن تكون الأجور في أقل مستوى ممكن, وكذلك دخول الملاك العقاريين. ويُرى في مؤلفات الاقتصاديين التقليديين كلهم الاهتمام نفسه بتحديد الطبقات الاجتماعية التي يؤول إِليها الفائض الاقتصادي وكيف تستخدم ذلك الفائض, وبأثر هذا الاستخدام في الادخار والنمو الاقتصادي. كان الكتاب التقليديون لا يفرقون التفريق الكافي بين عملية الادخار وعملية الاستثمار, وكانوا يرون أن الأموال المدخرة لابد أن تتجه إِلى نواحي الاستثمار المختلفة بصورة تلقائية, وهو ما يسمى أحياناً بالاستثمار التلقائي. إِن هذا التحليل يلخصه الاقتصادي الفرنسي التقليدي ساي بقوله إِن العرض يولد الطلب ويعني ذلك أن الدخل لابد أن ينفق كله, إِما في الاستهلاك وإِما في الاستثمار, على أساس أن جميع الادخارات لابد أن تستثمر. وقد بدأ ماركس من تحليل الاقتصاديين التقليديين بعد وضع النظام الرأسمالي في إِطار التطور التاريخي, وأكد أن الشكل المحدَّد للفائض الاقتصادي وحجمه وأسلوب تملكه وطريقة استخدامه تُعبر كلها عن مرحلة معينة من تطور العمل وتطور إِنتاجيته. وعند صوغ هذه الملاحظة ألح ماركس على عرض الأشكال التاريخية المختلفة التي اتخذها الفائض الاقتصادي والدور الذي قامت به تلك الأشكال المختلفة في التاريخ, محدداً بذلك جوهر الادخار ومصادره الأساسية في الأنظمة الاجتماعية المختلفة. ويختفي مفهوم الفائض الاقتصادي من مؤلفات معظم الاقتصاديين غير الماركسيين الذين كتبوا بعد مرحلة 1850-1870 فهناك أولاً التحولات الاقتصادية والاجتماعية نفسها في البلاد التي كان هؤلاء الاقتصاديون يعيشون فيها. ففي ذلك العصر كانت تلك البلاد قد بلغت مرحلة الرأسمالية المتطورة, فلم تبقَ هناك جدوى في النضال ضد التبديد الإِقطاعي لأن هذا التبديد كان قد اختفى عملياً, وفي مثل هذه الظروف كان المقدار الاقتصادي الأكثر دلالة فيما يتعلق بالنمو هو الاستثمار لا الفائض. إِضافة إِلى أن تحليلهم كان على مستوى المشروع والمستهلك. وفي هذا المستوى لا يبدو الاستثمار نابعاً من فائض اجتماعي, وإِنما يبدو صادراً عن قرار فردي. ولم تدرك الدولة الرأسمالية في مرحلة سابقة أهمية تعليل الدلائل الاقتصادية الأساسية, ومنها الادخار على مستوى الاقتصاد القومي, هذا الادخار الذي لابد منه لكي يكون الحجم الكلي للاستثمار كافياً, فقد أصبحت هذه المهمة من أبرز المهمات الاقتصادية للدولة بعد الحرب العالمية الأولى لمعالجة إِفرازات الدورة الاقتصادية وكوارثها ولاسيما بعد صدور كتاب جون مينارد كينز «النظرية العامة» ونظريته في أسلوب معالجة الأزمات الاقتصادية. لقد استنتج الاقتصاديون المحدثون أن عملية الادخار غير عملية الاستثمار وأن المدخر غير المستثمر, وأن الحوافز على الادخار غير الحوافز على الاستثمار, وبينوا أن الأموال المدخرة تتعادل مع الأموال المستثمرة, لا عن طريق سعر الفائدة, ولكن عن طريق الدخل القومي. ويحدث ذلك عند أي مستوى من الدخل القومي. الادخار في الفكر العربي لا يجد الباحث في المصادر المتوافرة عن الحضارة العربية الإِسلامية مدارس اقتصادية بالمعنى الحديث للكلمة, ولكنه يجد الكثير من الأفكار والقواعد الاقتصادية التي تستمد من القرآن الكريم أو السنة الشريفة أو فقه الصحابة والفقهاء المسلمين الذين جاؤوا بعدهم, كما يجد الكثير من الشروح في كتابات العلماء والفلاسفة العرب. ففي مجال الادخار يقر الإِسلام الوظيفة الاجتماعية المهمة للمال المدخر ويبدو ذلك في تحديده للالتزامات الواقعة على مالك المال في استثمار ماله فيما يفيد والتزام الزكاة والإِنفاق في سبيل الله, وعدم استعمال المال على نحو يلحق الضرر أو الأذى بالآخرين أو بمصلحة الجماعة, وعدم الإِبقاء على المال عاطلاً وعدم جواز اكتنازه وعدم الإِسراف في إِنفاقه. وكان لابن خلدون أهمية كبيرة في الفكر الاقتصادي, ويذكر في دراساته أن العمل يوجد القيمة, ويبين أهمية تقسيم العمل في زيادة إِنتاجية العامل وفي زيادة الدخل, وقد أشار إِلى دور المعادن النفيسة في الجهاز الاقتصادي من حيث إِمكان استخدام الذهب والفضة نقوداً ووسيطاً في المبادلات, وبيّن كيف تؤدي زيادة الطلب على السلع إِلى ارتفاع أسعارها, وأشار إِلى سوء توزيع أعباء الضرائب وأوصى بالتخفيف من الضرائب لآثارها الاقتصادية. ففي واقع الأمر اهتم ابن خلدون بالظواهر الاقتصادية الجزئية, كما اهتم بالاقتصاديات الكلية, فهو يقرر مثلاً أن الطلب يزيد بزيادة الدخل, ويقرر أن الدخل يتوقف على الإِنتاج وأن إِنفاق شخص أو قطاع, هو دخل لشخص آخر, أو قطاع آخر. وزيادة الطلب, عند ابن خلدون, تزيد الإِنتاج من الصناعات القائمة, كما تولد صناعات جديدة. ولقد أبرز ابن خلدون أهمية الادخار في التنمية إِذ يقول: «ومتى زاد العمران زادت الأعمال ثانية, ثم زاد الترف تابعاً للكسب وزادت عوائده وحاجاته, واستنبطت الصنائع لتحصيلها, فزادت قيمها وتضاعف الكسب في المدينة لذلك ثانية, ونفقت سوق الأعمال بها أكثر من الأول. وكذا في الزيادة الثانية والثالثة, لأن الأعمال الزائدة تختص بالترف والغنى بخلاف الأعمال الأصلية التي تختص بالمعاش. فما كان عمرانه من الأمصار أكثر وأوفر كان حال أهله في الترف أبلغ من حال المصر الذي دونه.. حتى تنتهي إِلى الأمصار التي لا توفي أعمالها بضروراتها, ولا تعد من الأمصار, إِذ هي من قبيل القرى والدساكر, فلذلك تجد أهل هذه الأمصار الصغيرة ضعفاء الأحوال متقاربين في الفقر والخصاصة, كما أن أعمالهم لا تفي بضروراتهم, ولا يفضل ما يتأثلونه كسباً, ولا تنمو مكاسبهم, وهم لذلك مساكين محاويج إِلا الأقل النادر». الادخار الاختياري والادخار الإِجباري يمكن تقسيم الادخار في الاقتصاد الحديث إِلى قسمين: الادخار الاختياري والادخار الإِجباري. الادخار الاختياري: وهو الادخار الحر الذي يقوم به الفرد طوعاً واستجابة لإِرادته ورغبته نتيجة لموازنته بين وضعين: وضع إِقدامه على إِنفاق دخله ووضع إِمساكه عن هذا الإِنفاق. وتسهم جملة من الإِجراءات والسياسات في زيادة حجم الادخار الحر عن طريق إِيجاد الوعي الادخاري لدى المواطنين وتنميته, ودعم الضمانة والثقة بالادخار, وتطوير المؤسسات الادخارية وتوسيعها وتحسين خدماتها. ولا تزال المؤسسات الادخارية في البلدان النامية محدودة العدد وقاصرة على تقديم الخدمات الضرورية للمدخر نتيجة لأسباب إِدارية وفنية, إِضافة إِلى أن الادخارات الفردية مقصورة في الغالب على المدخرين في المدن, ويكاد الادخار أن يكون معدوماً في المناطق الريفية لعدم وجود فروع للمؤسسات الادخارية كالمصارف وصناديق توفير البريد. الادخار الإِجباري: وهو ادخار يجبر عليه الأفراد نتيجة لمقتضيات قانونية أو لقرارات حكومية أو قرارات الشركات. وقد انتشر الادخار الإِجباري في الاقتصاد الحديث وفي مقدمة مجالاته المجالات الخمسة التالية: ـ نطاق الادخار التقاعدي لدى صناديق المعاشات والتأمينات الاجتماعية: وهذا النوع من المدخرات له أهمية خاصة لاتساع مجاله ولتمتعه بصفة الاستمرار والثبوت. ـ نطاق ادخار الشركات: وهذا النوع من المدخرات يتكون عندما تقرر الهيئة العامة لإِحدى الشركات دعم احتياطياتها أو عدم توزيع قسط من أرباحها قصد القيام بتمويل ذاتي, فيترتب على ذلك تناقص في الأرباح الموزعة على المساهمين. ـ نطاق الادخارات عن طريق الضرائب: إِذ تُحصّل الدولة الكثير من الأموال مما يوفر لها إِمكانات أكبر للاستثمار في المشروعات الإِنمائية من جهة, وتقليص الاستهلاك من جهة أخرى, ولاسيما الاستهلاك الخاص المرتبط بالتبذير والإِنفاقات غير المسوَّغة. وللضرائب في الاقتصاديات الرأسمالية المتقدمة أثر مهم في معالجة المشاكل الناجمة عن الدورة الاقتصادية وإِفرازاتها وإِعادة توزيع الدخل الوطني وتغذية خزانة الدولة, ولاسيما في المراحل التي تزيد فيها النفقات زيادة كبيرة إِثر الاندفاع نحو التسلح. أما في الدول النامية, فإِن للضرائب أثراً كبيراً في خدمة تمويل التنمية, وهي تسوَّغ بالدرجة الأولى بضعف إِمكانات الادخار الحر وضرورة تحقيق الأهداف التالية: ضغط الاستهلاك وكبح جماحه وتحويل الموارد منه إِلى الاستثمار, وتحويل موارد مبعثرة من أيدي الأفراد إِلى يد الدولة لتمويل الاستثمار العام, وتوفير الحوافز لزيادة الاستثمار وتوجيهه, وتقليل الفوارق الاقتصادية. ـ القروض: ويمكن تقسيمها إِلى قسمين: القروض الداخلية والقروض الخارجية. إِن القروض العامة الداخلية هي الأداة التي يُلجأ إِليها بسبب شح الادخار الحر وقصور الادخار الإِجباري ممثلاً في الضرائب. ويسوَّغ الاقتراض الداخلي في الدول النامية غالباً بتفشي ظاهرة الاكتناز وانتشار ظاهرة الإِنفاق الكمالي والمظهري والتفاخري وتدفق الاستثمارات إِلى الميادين غير المنتجة, إِذ يساعد الحصول على القروض وتوجيهها وفقاً لأهداف الخطة العامة للدولة وعلى أساس معايير الاستثمار مساعدة كبيرة في دعم جهود التنمية الاقتصادية. وتعترض سبيل الاقتراض الداخلي في الدول النامية مصاعب منها عدم توافر سوق نقدية منتظمة لتداول القروض القصيرة الأجل, وعدم نضج سوق رأس المال للتعامل في السندات الحكومية وسندات الشركات التجارية والصناعية, وعدم نماء العادة الادخارية المصرفية وضعف كفاية أجهزة تعبئة المدخرات وصغر حجم القطاع الصناعي. أما القروض الخارجية فهي الأداة التي تلجأ إِليها الدولة بسبب قصور التمويل المحلي ورغبتها في تجنب بعض المخاطر الاقتصادية الداخلية كالتدهور النقدي أو عدم الرغبة في تحمل ضرائب أعلى. وتساعد القروض الخارجية, إِذا أحسن استخدامها, على زيادة الناتج وتنمية الصادرات وبدائل المستوردات, مما يسهم في زيادة الدخل الوطني والمدخرات الوطنية وتحسين الميزان التجاري, كما تعاون على منع التضخم وتجنب تدهور العملة الوطنية. ـ التمويل التضخمي: إِذا لم يتيسر استدراك الفائض الاقتصادي من قطاعات الاقتصاد القومي طواعية بفضل الادخار الحر أو كرهاً بوساطة الضرائب أو عن طريق القروض, فإِنه يمكن أن يُسْتَحْدث ادخار بزيادة وسائل الدفع والائتمان ثم الاستحواذ عليها واستخدامها في تمويل التنمية باسم التمويل التضخمي. والتمويل التضخمي أو التمويل بالعجز وسيلة لتحويل الموارد من الاستهلاك الجاري إِلى التكوين الرأسمالي بإِصدار نقود أو ائتمان لسد الفجوة التي تحدث في تمويل خطة التنمية الاقتصادية. وتختلف الحال فيما يتصل بوسيلتي التمويل بالعجز أي الائتمان المصرفي وإِصدار النقود. يجب في الحالة الأولى توفية السلف المصرفية بعد انتهاء أجلها فتتحقق وسيلة للسحب التلقائي للقوة الشرائية الإِضافية التي ألقي بها في التداول, الأمر الذي لا يحدث في حالة إِصدار النقود مما يحتاج إِلى عملية بطيئة وصعبة. ويتحقق التمويل بالعجز غالباً في الدول المتقدمة اقتصادياً بالحصول على الائتمان من الجهاز المصرفي, في حين يكون في الدول النامية غالباً عن طريق إِصدار النقود. الادخار بين الاستثمار والاكتناز كان التقليديون يخلطون بين الادخار والاستثمار لأنهم يرون أن الادخار هو قرار بعدم استهلاك قسط من الدخل واستعماله في استثمارٍ أي في شراء رؤوس أموال, فكانوا يتصورون وضع المنظم الأوربي التقليدي الذي يستغلّ رأس ماله بنفسه ويمسك عن نفقات الاستهلاك قصد الزيادة من الاستثمارات. أما اليوم فقد استقلت عملية الادخار عن عملية الاستثمار لأن الأشخاص الذين يقومون بالعملية الأولى يختلفون في الغالب عن الأشخاص الذين يقومون بالعملية الثانية. فالادخار هو تنازل عن استهلاك قسم من الدخل, وقد تتعلق عملية الادخار هذه بالأفراد والأُسَر أو بالمشروعات أو بالدولة. وتتوجه الادخارات بمعظمها في الاقتصاد الحديث إِلى المؤسسات المصرفية والمالية في شكل ودائع أو بمقابل شراء أسهم, وتقوم هذه المؤسسات بتوجيه هذه الادخارات إِلى قطاع الإِنتاج لتستثمرها, وهناك قسط من الادخار يبقى جامداً خارج الدورة النقدية وهو الذي يكوّن الاكتناز ويشمل الأموال التي تبقى بيد أصحابها في شكل سيولة أو في شكل بعض المواد التي يضمن عدم تغير قيمتها مثل الذهب والصوف. وليس لهذه الأموال أي دور اقتصادي نافع لأنها لا تدخل في مجال الاستثمار. دوافع الادخار تقوم عملية الادخار على دعامتين أساسيتين هما: القدرة الادخارية والرغبة الادخارية. فالقدرة الادخارية هي قدرة الفرد على تخصيص جزء من دخله من أجل المستقبل, وهي تُحدَّد بالفرق بين حجم الدخل وحجم الإِنفاق, ويتوقف هذا الأخير على نظام معيشة الفرد وسلوكه وتصرفاته, ومن ثم فإِن القدرة الادخارية ليست متوقفة على حجم الدخل المطلق, بل هي مسألة نسبية تختلف من فرد إِلى آخر وتتغير بتغير الظروف. أما الرغبة الادخارية فهي مسألة نفسية تربوية تقوى وتضعف تبعاً للدوافع التي تدعو للادخار ومقدار تأثر الفرد والطبقات الاجتماعية بهذه الدوافع. وأهم الدوافع النفسية للادخار هي عطالة معينة في الاستهلاك عندما يرتفع الدخل, والرغبة في تنظيم النفقات تبعاً للتغيرات المتوقعة أو غير المتوقعة في الُمركَّب «دخل - حاجة», والرغبة في الإِثراء. أما الظروف التي تحدد درجة نشاط الدوافع الموضوعية فهي بالدرجة الأولى: الدخل, ومعدل الفائدة, والنظام المالي, ودرجة الاستقرار الاجتماعي والدولي, والنظام الاقتصادي - الاجتماعي. الدخل: يُعدّ الدخل عاملاً أساسياً في زيادة الادخار أو انخفاضه, فإِذا زاد الدخل بنسبة معينة فإِن الاستهلاك سيزداد, ولكن الادخار سيزداد بنسبة أكبر من نسبة الاستهلاك. وهذا يعدّ بنظر كينز قانوناً نفسياً أساسياً. معدل الفائدة: يختلف الاقتصاديون فيما بينهم حول تأثير معدل الفائدة على تكوّن الادخار في الاقتصاد الوطني. ففريق منهم يرى أن انخفاض معدل الفائدة يُسهم في ارتفاع حجم الادخار نتيجة للزيادة التي يحدثها الانخفاض في حجم الاستثمار وفي الدخل القومي, وعلى النقيض من ذلك يرى هذا الفريق أن ارتفاع معدل الفائدة يقود إِلى انخفاض حجم الادخار نتيجة للنقص الذي يحدثه ذلك الارتفاع في حجم الاستثمار وفي الدخل القومي إِذ الدخل في نهاية المطاف هو مصدر كل ادخار. ويرى فريق آخر أن انخفاض معدل الفائدة يؤثر سلباً على الادخار إِذ يثبط من عزيمة أصحاب الدخول في تأجيل استهلاكاتهم وتكوين الادخار. والأمر لا يتعدى الاحتمال لأن سلوك أصحاب الدخول والمستثمرين لا يتعلق فقط بمعدل الفائدة بل يخضع لمؤثرات أخرى مختلفة, وقد تكون متضاربة التأثير في الادخار. النظام المالي: إِذا عمدت الدولة إِلى زيادة الضرائب على الدخول انخفض حجم مدخرات الأفراد, وعلى العكس إِذا عمدت الدولة إِلى تخفيض الضرائب فقد يؤدي ذلك إِلى زيادة القدرة على الادخار. درجة الاستقرار الاجتماعي والدولي: تؤثر التوقعات التي تحدث في أوقات الأزمات الاقتصادية والحروب في حجم الادخار: فتوقع الأفراد حدوث نقص في إِنتاج سلعة استهلاكية معينة يؤدي إِلى تهافتهم على شرائها بكميات وافرة تكفي لاحتياجاتهم مستقبلاً مما يؤدي إِلى نقص المدخرات. النظام الاقتصادي - الاجتماعي: النظام الاقتصادي - الاجتماعي هو الذي يحدد في نهاية المطاف توزيع الدخل على طبقات المجتمع. فهناك فارق كبير في مصدر المدخرات بين بلدان المجتمع الرأسمالي والمجتمع الاشتراكي. ففي ظل الرأسمالية تتكون المدخرات من ادخار أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة بالدرجة الأولى. أما في ظل الاشتراكية حيث يعاد توزيع الثروة والدخل توزيعاً عادلاً بما يحقق تقليل الفوارق بين الطبقات إِلى أدنى حد ممكن, فإِن القاعدة الشعبية يرتفع نصيبها تدريجياً في الدخل القومي فتزداد قدرتها على الادخار. نظرية الادخار تعدّ نظرية كينز في الادخار من أوسع النظريات انتشاراً في الاقتصاد الرأسمالي الحديث. وخلاصة هذه النظرية أن الادخار تابع للاستثمار ويليه. فالاستثمار يؤدي إِلى توفير الدخل الذي يؤدي إِلى الادخار. إِن نظرة كينز للتوازن الاقتصادي العام تقوم على ثلاث قواعد أساسية هي: ـ هدم مبدأ التوازن الاقتصادي العام وفق وجهة نظر التقليديين والتقليديين الجدد من أمثال الاقتصادي الفرنسي ليون فالراس. ـ عرض نظرية جديدة للتوازن الاقتصادي العام. ـ عرض سياسة جديدة تقضي بتدخل نشيط وفعال للدولة في الحياة الاقتصادية لتجديد الإِنتاج الرأسمالي من وجهة نظر مصالح طبقة الرأسماليين قاطبة, في حين كانت النظريات السابقة تركز اهتمامها على المشروعات الفردية متجاهلة أهمية الدخل الاقتصادي الكلي في معالجة مسائل التوازن الاقتصادي العام. إِن منطلق كينز في هدمه لنظرية التوازن التقليدية هو محاولته القضاء على قانون ساي وذيوله. ففي رأي ساي ومؤيديه أن العرض يؤدي إِلى الطلب أي طلب ما يعرض. فليس هناك إِذن أية مشكلة في تقسيم الإِنتاج إِلى سلع استهلاكية وسلع إِنتاجية. أما من حيث رأس المال فإِن الفائدة, التي هي سعر رأس المال, قادرة على أن تنظم استعمال الدخل بين الاستهلاك والادخار مما يؤدي إِلى حصول التوافق بين عرض رؤوس الأموال الناتجة عن الادخار وطلب رؤوس الأموال هذه بقصد الاستثمار. فإِذا زادت حاجة المستحدثين إِلى رأس المال يكفي أن يرفعوا معدل الفائدة حتى يقبل المستهلكون أن يخفضوا استهلاكهم ويزيدوا ادخارهم مدفوعين بارتفاع الفائدة. وبالعكس إِذا قلت حاجة المستحدثين إِلى رأس المال انخفضت الفائدة فزاد الاستهلاك ونقص الادخار. ومن ثم فإِن هذه الآلية العفوية تضمن بقاء الاستثمار مساوياً دائماً للادخار. لكن كينز يناهض هذه النظرية بشدة إِذ يرى أن القضية ليست بهذه السهولة. ذلك أن قرارات المستهلكين, وقرارات المستحدثين, وقرارات المدخرين كل منها مستقل عن الآخر لأنها تخضع لدوافع مختلفة. ما من ناحية المستحدثين: فإِن حجم الإِنتاج الذي يقرره المستحدثون يتعلق بالطلب المنتظر الذي يتوخونه, آخذين في الحسبان كلف الإِنتاج التي عليهم أن يتحملوها في عمليات إِنتاجهم, وهذا يعني عملياً أن حجم الإِنتاج متعلق بالربح المأمول الذي سيعود للمستحدثين من جراء عمليات الإِنتاج. ولكن كيف يحدد هذا الربح؟ يجيب كينز: إِن الربح هو الفرق بين المردود الهامشي لرأس المال (أي العلاقة بين المردود المرتقب لوحدة إِضافية من رأس المال وبين كلفة إِنتاج هذه الوحدة الإِضافية) المستخدم في عملية الإِنتاج, والفائدة التي يدفعها المستحدث لرأس المال الذي حصل عليه من المقرضين. فإِذا كانت الفائدة 5٪ مثلاً والمردود المنتظر 15٪, فإِن عامل «الحض على الاستثمار» يكون كبيراً, وبالعكس, إِذا كانت الفائدة من شأنها امتصاص الربح المنتظر كله أو قسم كبير منه فإِن الحض على الاستثمار يختفي. وأما من ناحية المستهلك: فيكون السؤال: بماذا يتعلق الطلب الحقيقي (أي الطلب المنتظر) الذي سيأتي من ناحية المستهلكين وهم الذين يملكون الدخل الذي بفضله يشترون الإِنتاج ويدخرون, وما الذي سيخصصونه للادخار؟ يجيب كينز: إِن هذا الأمر يعود إِلى الوضع النفسي للأفراد فهذا الوضع هو الذي يحدد «الميل إِلى الاستهلاك» كما يحدد الميل إِلى الادخار. والمهم لدى كينز هو الدخل وليس السعر, وهكذا يحل مفهوم السعر الذي بنى عليه التقليديون نظريتهم. وأما من ناحية المدخرين: فالسؤال هو: ماذا يحدث عندما يزداد الدخل؟ لاشك أن المدخرين سيميلون إِلى زيادة ادخارهم أكثر مما سيزيدون استهلاكهم. فإِذا زاد الدخل بنسبة 5٪ مثلاً فإِن الاستهلاك سيزداد 2٪ أو 3٪ ولكن الادخار يزداد 7٪ أو 8٪ فهو يزداد بنسبة أكبر من زيادة الدخل. وهكذا فإِن:
زيادة الادخار > 1 و زيادة الاستهلاك < 1 زيادة الدخل زيادة الدخل
أو Δ د > 1 Δ س < 1 Δ خ Δ خ حيث: د ادخار, س استهلاك, خ دخل. وهذا يعدّ بنظر كينز «قانوناً نفسياً أساسياً», وهو يلاحظ لهذا أن الأغنياء يدخرون أكثر مما يوفر الفقراء. والخلاصة أن كينز يرى أن النظام الاقتصادي يجد نفسه أمام عدد من المتغيرات المستقلة هي: ـ أن العرض يخضع لعامل «الميل إِلى الاستثمار» وهذا يُحدد بالفرق بين المردود الهامشي لرأس المال ومعدل الفائدة. ـ وأن الطلب يتنازعه الاستهلاك والادخار, وهما يخضعان للوضع النفسي لدى الأفراد بين «الميل إِلى الاستهلاك» و «الميل إِلى الادخار» من دون أن يكون لذلك علاقة بقرار المنتجين. ـ وأن معدل الفائدة يخضع هو أيضاً لعوامل اجتماعية نفسية (تفضيل السيولة النقدية, وكتلة النقد المتداولة) من دون علاقة مباشرة بعرض رأس المال أو الطلب عليه. وكل هذا يجعل من الصعب التصور أن خطة المنتجين ستتفق منذ البدء مع خطة المستهلكين والمدخرين, لذلك يرفض كينز فكرة قيام توازن عام عفوي منذ البداية, ولكنه يقر بضرورة وجود توازن عام في النهاية. فكيف يتحقق ذلك التوازن في مرحلة زمنية ما؟ وعلى أي مستوى؟ الاستثمار والادخار توضح النقاط الأربع التالية وجهة نظر كينز في الاستثمار والادخار. تعادل الاستثمار والادخار: يرى كينز أنه في مستوى معين ما هناك تعادل بالضرورة بين الادخار وهو الفائض من الدخل بعد الاستهلاك, والاستثمار وهو زيادة في التجهيزات تعادل الجزء من الدخل الذي لا يمتص بالاستهلاك, فالادخار والاستثمار يتساويان إِذن لأن كلاً منهما يساوي ذلك الجزء من الدخل الذي لم يستهلك في نهاية المرحلة, وهكذا فإِن تساويهما يتم في النهاية لا في البداية. وهذه الآلية للتعادل بين الاستثمار والادخار ليست أبداً آلية الأسعار كما كان يعتقد التقليديون. إِن آلية الأسعار تصلح, كما يرى كينز, على الصعيد الفردي أو على مستوى مشروع منعزل: فانخفاض الأسعار يمكن أن يعطي الفرد أو المشروع مزايا خاصة, وارتفاع الأسعار يُحدث العكس. هذا الانخفاض أو الارتفاع في الأسعار يؤدي إِلى نتيجة لم يفهمها التقليديون: فهو يغير الدخل الموزع, يزيده أو ينقصه. والمعلوم أن الدخل هو الذي تتم بفضله إِعادة شراء الإِنتاج المتحقق. ويرى كينز أن تغيرات الدخل, وهي التي يرتكز عليها التوازن النهائي, تتوقف على قرار المستحدثين, وبوجه أدق تتوقف على الاستثمارات التي يقررون القيام بها, هذه الاستثمارات لها دور حاسم في الدخل القومي, فهي توجده وهي تكثِّره. الاستثمار يوجد الدخل وهو يؤدي إِلى الادخار: عندما ينمّي المستحدثون, ومنهم الدولة, استثماراتهم بتمويلها سواء بالادخار السابق, أو بطريقة الإِصدار الورقي, أي طريقة التضخم النقدي, فإِنهم يوزعون الأموال المتوافرة لديهم بمقابل شرائهم ما يحتاج إِليه الاستثمار من مواد أولية ويد عاملة وغيرها. وهم بهذا إِنما يزيدون دخل من يتلقى هذه الأموال كالتجار, والصناعيين, والزراعيين, والعمال, وبزيادة هذا الدخل يزيدون إِمكان الادخار لدى هؤلاء, فزيادة إِضافية في الاستثمار تؤدي - ما دامت البلاد لم تبلغ مستوى الاستخدام الكامل - إِلى وجود الادخار إِضافة إِلى تشغيل كمية من اليد العاملة التي كانت ستبقى عاطلة عن العمل. الاستثمار يوجد الإِنفاق (المضارِب أو المضاعِف): إِن الدخل الذي أوجده الاستثمار لن يقتصر على إِيجاد الادخار وإِنما سيؤدي إِلى زيادة الإِنفاق, لأن من تلقوه, ومنهم عمال عاطلون عن العمل, سوف يشترون به كميات إِضافية من الأرزاق والألبسة وغيرها, مما يؤدي إِلى زيادة دخل منتجي هذه السلع الذين سيقومون بزيادة إِنفاقهم وزيادة توفيرهم موجدين بذلك لدى آخرين دخلاً إِضافياً يؤدي إِلى زيادة الإِنفاق والادخار, وهكذا تتوسع الأمواج كما تتوسع الدوائر في بركة ماء بعد إِلقاء حجر فيها. إِن للاستثمار إِذن أثراً محدثاً للدخل, وله كذلك أثر في تكاثر الدخل, وهو ما يطلق عليه «المضارِب» أو «المضاعف». والمضاعف هو المعامل الذي يربط زيادة الإِنفاق والدخل. فهو يُفيد أنه عندما يحصل تغيير في مجموعة الاستثمار, فإِن الدخل يتغير في الاستثمار بمقدار (م) مرة. جوهر السياسة الكينزية في الاقتصاد: إِن السياسة الاقتصادية[ر] التي يقترحها كينز تقلب رأساً على عقب الأوضاع التي جاءت بها السياسات التقليدية. فالتقليديون مالوا في سياستهم إِلى تصنيف الأولويات كما يلي: أ ـ النقد والتمويل أولاً: فالاستقرار النقدي, وتحقيق التوازن في موارد الدولة وإِنفاقها, هما الشرطان الأساسيان للازدهار الاقتصادي. ب ـ الاقتصاد ثانياً: فالتطور الاقتصادي يجب أن يسير حراً وعفوياً بحيث تحقق آلية الأسعار التوازن فيه. ج ـ المسائل الاجتماعية أخيراً: فالتوزيع الأكبر يتطلب إِنتاجاً كبيراً. أما كينز فيحدد هذه الأولويات كما يلي: أ ـ المسائل الاجتماعية أولاً: فيجب تحقيق الاستخدام الكامل فهو برهان للصحة الاقتصادية وسبب لها. ب ـ الاقتصاد ثانياً: فمتى تحقق الاستخدام الكامل يتحقق الازدهار لتحقيق الارتفاع في الدخل القومي. ج ـ النقد والتمويل أخيراً: فلا خوف من التضحية بعد كل هذا بالاستقرار النقدي وموازنة الدولة. النقد الأساسي الموجه إِلى نظرية الادخار الكينزية: ينطلق النقد الموجه إِلى نظرية الادخار الكينزية من أن هذه النظرية وُضعت لمعالجة الأزمات الاقتصادية التي تنتاب الاقتصاد الرأسمالي دورياً, ونبهت إِلى أهمية إِجراءات الدولة الاقتصادية في هذا المجال بهدف تسريع الانتقال من مرحلة الكساد إِلى مرحلة الانتعاش والنهوض. فنمو الإِنتاج, يؤثر في مضاعفة الدخل القومي, وهذا له مفعول مضاعف: زيادة الاستثمار والتوسيع المطرد للإِنتاج وزيادة العمالة. إِلا أن هذه النظرية, على أهميتها في التخفيف من حدة تناقضات الاقتصاد الرأسمالي, فإِنها تبقي الجوهر الاجتماعي للرأسمالية خارج نطاقها, فهي تنظر إِلى المفهومات الاقتصادية على أنها مقادير رياضية ولا تكشف عن القوانين الاقتصادية الفعلية التي تكمن في أساسها, موضحة إِياها بمفهومات نفسية (ميول الناس), فلا يمكن تفسير تناسب الاستهلاك والدخل باختلاف الميول نحو الادخار, ففي الظروف الواقعية, إِذا كان المقصود الشغيلة, فإِن الادخار محدود بمستوى الأجر وفي الظروف الراهنة بالتضخم, أي ارتفاع الأسعار. وهنا تصطدم قدرة الرأسمالية على المضاعفة اللامحدودة للإِنتاج بمحدودية الإِمكان الاستهلاكي للمجتمع. أما فيما يتصل بادخار الرأسماليين, فإِن مقداره يتعلق بالإِمكان الفعلي للحصول على الربح من رأس المال المستثمر الذي يتحدد بظروف عملية الإِنتاج الموسع. ويمكن أن تكون ظاهرة المضاعف حقيقة إِلى حد ما فقط عندما تطبق على مرحلة من مراحل الدورة الرأسمالية هي مرحلة النهوض. ولكن كل توسيع لاحق على الطلب يسببه المضاعف إِنما يشدد من الإِخلال في التناسب بين مختلف جوانب عملية إِعادة الإِنتاج: بين النزوع نحو التوسيع اللامحدود للإِنتاج ومحدودية قدرة السكان على الطلب, بين الادخار والاستهلاك, بين مختلف فروع الإِنتاج, مما يؤدي في نهاية المطاف إِلى الركود ثم الأزمة. إِن تطبيق الحل الكينزي في البلدان المتخلفة معناه أن إِحداث زيادة في الإِنفاق الحكومي يجب أن يؤدي إِلى استخدام عوامل الإِنتاج العاطلة استخداماً يحد تدريجياً من بطالتها ويحقق في النهاية استخداماً كاملاً لها, تماماً كما يجب أن يتم في البلدان المتقدمة, ويؤدي - وهذا شيء ملازم للعملية - إِلى زيادة الدخل العام في نهاية المطاف. بيد أنه تساق الملاحظات التالية في هذا المجال: ـ إِن القطاع الزراعي في البلدان المتخلفة لا يستطيع أن يزيد حجم إِِِنتاجه بسهولة نتيجة ضعف مرونة إِنتاجه في الزمن القصير. ـ والقطاع الصناعي الذي يضم على العموم صناعات استهلاكية معروفة (نسيج, أحذية, مواد بناء...) يتصف بعدم وجود طاقة استخدام فائضة, حتى إِن أكثر البلدان المتخلفة تشكو من وجود إِشباع في مثل هذه الصناعات. وهذا يعني صعوبة زيادة العمالة وزيادة الإِنتاج في هذه الصناعات. ـ الزيادة التالية تتجه إِلى القطاعات الأخرى, أي إِلى القطاعات الخدمية بالدرجة الأولى. وهكذا تؤلف هذه القطاعات الخدمية النشاطات الديناميكية الوحيدة التي ينفتح بها غالباً هيكل الإِنتاج على العالم الخارجي المتقدم, ليتم عن طريقه نزفه (بتصدير المواد الأولية) واستنزافه (باستيراد فائض الإِنتاج الصناعي الخارجي). إِن هذا الاتجاه قد تأكد في تجارب كثيرة في البلدان المتخلفة التي استخدمت أسلوب التمويل التضخمي أو أسلوب التمويل بالعجز على نطاق واسع, إِذ وقعت اقتصادياتها في مزالق كبيرة وتعرضت للتضخم وعدم الاستقرار النقدي. القنوات الادخارية تقسم مصادر الادخار الداخلي إِلى مدخرات القطاع الحكومي, ومدخرات قطاع الأعمال, ومدخرات القطاع الأُسري, كما يمكن أن تُقسم مصادر الادخار إِلى الادخار العام والادخار الخاص. ويتألف الادخار العام من الادخار الحكومي, وهو الفرق بين الإِيرادات الجارية والنفقات الجارية للحكومة, وادخار القطاع العام وهو الادخار المتكوّن في المشروعات التي تتبع الحكومة. وتعدّ المصادر التالية من أهم مصادر الادخار العام: فائض المشروعات العامة, وأموال التأمين والمعاشات واشتراكات الضمان والتأمينات الاجتماعية, والمدخرات الخاصة لدى مؤسسات الادخار كصندوق توفير البريد وشهادات الاستثمار التي يصدرها مصرف التسليف الشعبي في سورية, والضرائب المباشرة وغير المباشرة بمختلف أنواعها, والقروض الداخلية والخارجية والتمويل التضخمي أو التمويل بالعجز بإِصدار نقد جديد من جانب الحكومة. ويتألف الادخار الخاص من الادخار في القطاع الأُسري والادخار في قطاع الأعمال. ويتحدد الادخار في القطاع الأُسري وفقاً للعوامل الرئيسية التالية: ـ حجم الدخل, إِذ من البديهي أن يكون صاحب الدخل الأكبر أكثر قدرة على ادخار قسم أكبر من دخله. ـ الاستهلاك الذي تحدده العوامل الموضوعية كالأسعار والسياسات والعوامل الذاتية كحب الظهور والتمتع بالقوة والجاه. ـ العادات والوعي والتقاليد. ـ الضرائب والأعباء الاجتماعية. وفي قطاع الأعمال يختلف تكوين الادخار بحسب نوع المنشآت, ففي المنشآت غير المساهمة كالمزارع ومحلات البيع بالمفرق والحرفيين العاملين لحسابهم الخاص, يتوقف تحديد الادخار على الصفات التنظيمية ونوع الحسابات التي تمسكها هذه المنشآت. أما في بقية المنشآت (الشركات) فيتألف الادخار من: احتياطيات الاهتلاكات, والاحتياطيات الإِجبارية, والاحتياطيات الاختيارية. ولا شك في أن لمستوى النشاط الاقتصادي العام وإِمكانات التوسع والسياسة الضريبية, بما فيها من إِعفاءات وميزات, أثراً كبيراً في تحديد حجم ادخارات قطاع الأعمال. دور الادخار في النشاط الاقتصادي لقد لمست معظم الدول أهمية المدخرات في دفع عجلة التنمية الاقتصادية واستمرارها ومن ثم استمرار التقدم والنشاط الاقتصادي وضمان الاستقرار, إِذ تعد المدخرات الوطنية الدعامة الأساسية للاستثمار, لذا عملت هذه الدول بمختلف مذاهبها السياسية على تنمية الوعي الادخاري بين أفرادها بشتى الطرق وجذب هذه المدخرات وتجميعها لاستخدامها في تمويل التنمية الاقتصادية بما يتفق وأهداف الدولة وبما يعود على المجتمع بالنفع العام. ولقد أظهر التطور الاقتصادي أن لصغار المدخرين أهمية كبيرة فيما يمكن أن يُحصل عليه من تجميع مدخراتهم التي تفوق في حالات كثيرة المدخرات التي تُجمع من القلة من ذوي الدخول الكبيرة ولا سيما بعد أن نمت الطبقة العاملة والفئات المتوسطة, من ناحية, وبعد أن ضغطت المطالب والنفقات المتزايدة للدولة, من ناحية أخرى. وإِذا كانت أهمية الادخار أساساً للاستثمار, سواء للفرد أو للدولة أوضح ما تكون في الأحوال العادية, فإِنها أشد وضوحاً وأكثر إِلحاحاً في مراحل التنمية والتطور, إِذ تؤدي المدخرات خدمات جليلة للفرد وللدولة. ففيما يتصل بالفرد تهيئ هذه المدخرات عوامل الأمان للمستقبل, ذلك أنه بإِيداعها أو باستثمارها في أي من الأوعية الادخارية أو الاستثمارية يحصل منها على عائد مجز إِما أن ينفقه في مواجهة مطالبه المتزايدة وإِما أن يزيد به مدخراته واستثماراته. وتوجه الدولة هذه المدخرات إِلى الإِنفاق على مشروعات جديدة تزيد من دخول الأفراد وتفتح لهم آفاقاً جديدة وفرصاً أكبر للعمل والخدمة. وتؤدي المشروعات الجديدة إِلى توفير المزيد من السلع والخدمات للفرد وتتيح له الحصول عليها بأسعار أفضل. وفيما يتصل بالدولة فإِن المدخرات تخدمها في تحقيق ما يلي: ـ توفير التمويل المحلي المطلوب لمشروعات التنمية من دون اضطرار الدولة إِلى اللجوء لزيادة الضرائب ولوسائل التمويل التوسعية التي تؤدي إِلى زيادة حدة التضخم الذي يصاحب عادة الإِنفاق على برامج التنمية والذي تنعكس آثاره في الارتفاع المطرد للأسعار. ـ الحدّ من الضغوط التضخمية التي تصاحب الإِنفاق على خطط التنمية وذلك بامتصاص الزيادة في الدخول المترتبة على الزيادة في الإِنفاق في تكوين مدخرات جديدة. ـ الحدّ من الإِنفاق الاستهلاكي للأفراد بما يسمح بتوجيه المزيد من السلع للتصدير الأمر الذي يساعد الدولة في الحصول على القطع الأجنبي اللازم لمشروعات التنمية وتحقيق المزيد من الاستثمار الذي يعود على جميع أفراد المجتمع بالنفع العام من جهة, وتقليص الطلب على السلع المستوردة من جهة ثانية. ـ خفض النفقات التي تواجهها الدولة في توفير المزيد من السلع الاستهلاكية نتيجة زيادة الطلب عليها لزيادة دخول الأفراد وزيادة إِنفاقهم, ويساعد خفض هذه النفقات على توجيه الوفر المحقق إِلى إِنتاج المزيد من السلع والخدمات بدلاً من استيرادها. الادخار والتنمية الاقتصادية التنمية الاقتصادية, وسيلة لزيادة رفاهية الأفراد وتثبيت دعائم النهضة الاجتماعية والاستقلال السياسي, ترتكز على عملية تكوين رأس المال أو بناء الطاقات الإِنتاجية الجديدة ووضعها موضع الإِنتاج. ومن نافلة القول الحديث عن الحلقة المفرغة في عملية التنمية التي تعزو نقص التكوين الإِنتاجي إِلى قلة الادخار, وقلة الادخار إِلى انخفاض الدخل الفردي, وانخفاض الدخل الفردي إِلى انخفاض الدخل القومي وزيادة الضغط السكاني, وانخفاض الدخل القومي إِلى انخفاض الإِنتاجية وعدم استغلال الموارد الطبيعية الذي يعود إِلى نقص التكوين الإِنتاجي وقصوره عن تحقيق هذه الأغراض. وللقيام بعملية تكوين الطاقات الإِنتاجية الجديدة لا بد للمجتمع من تخصيص جزء من موارده المتمثلة في السلع والخدمات المنتجة لتحقيق هذه الغاية, وهذا في الواقع هو كنه عملية التكوين الإِنتاجي أو ما يسمى الوجه المادي لعملية تمويل التنمية. أما الوجه الآخر لعملية تمويل التنمية فهو وجهها النقدي الذي يتمثل في توفير الأموال النقدية اللازمة للحصول على السلع والخدمات الضرورية لعملية التكوين الإِنتاجي. وهذا يبين بوضوح أن النقد في عملية التكوين هذه إِنما يستمد دوره من كونه يمثل قوة شرائية تستطيع حيازة جزء من عوامل الإِنتاج لتوجيهها نحو تكوين الطاقات الإِنتاجية. ثم إِن المصدر الحقيقي للتكوين الإِنتاجي هو الادخار بوصفه امتناعاً عن استهلاك جزء من الناتج القومي بهدف تهيئته وتوجيهه لأغراض التكوين الإِنتاجي. الادخار في سورية أكدت سياسة القطر العربي السوري في المجال الاقتصادي ضرورة إِقامة تنمية سريعة ومتوازنة لتحقيق معدلات نمو مرتفعة ومتواترة تسهم في رفع مستوى معيشة الشعب عن طريق تعبئة الموارد المحلية إِلى أبعد الحدود الممكنة. وعلى الرغم من هذا التأكيد وأهميته ما تزال الطاقة الادخارية الخاصة والعامة محدودة ولا تمثل إِلا جزءاً من الدخل الفردي التصرفي ومن الناتج المحلي الإِجمالي, مما يزيد الاعتماد على القروض والمساعدات الخارجية لتحقيق معدلات عالية للاستثمار في إِطار خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتكتسب النقاط الرئيسية التالية أهمية خاصة في تحديد أسباب ضعف الطاقة الادخارية وقوتها في مجالات الادخار الأربعة في سورية. ـ ففي مجال الادخار الاختياري أو الخاص تكمن الأسباب الرئيسة في النواحي التالية: ضعف الوعي الادخاري, وانتشار ظاهرة الاكتناز لدى فئة واسعة من الشعب, وضعف المؤسسات الادخارية وحداثة عهدها, ذلك أن مؤسسات الادخار الجديدة, كصندوق توفير البريد وإِصدار شهادات الاستثمار من قبل مصرف التسليف الشعبي, قد نشأت وأخذت تتطور في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين. ـ وفي مجال مدخرات المؤسسات والشركات العامة: يشار في البداية هنا إِلى أنه نتيجة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي مر بها القطر العربي السوري منذ قيام ثورة الثامن من آذار عام 1963, حتى اليوم أصبح للقطاع العام الدور الرئيس في تنفيذ السياسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية للدولة, وهو يؤلف العصب الحساس لمشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية, ويعدّ مصدراً مهماً من المصادر التي تعتمد عليها الدولة في تمويل مشروعات التنمية. ـ وفي نطاق الادخار التقاعدي: يتألف هذا النوع من المدخرات من حصيلة الاقتطاعات النسبية لرواتب العاملين والموظفين في الدولة لدى صناديق التأمين والمعاشات والتأمينات الاجتماعية. ولهذا النوع من التأمين أهمية واضحة لاتساع مجاله. ـ وفي نطاق الادخار التأميني: ما يزال حجم هذا النوع من المدخرات متواضعاً في القطر العربي السوري, وذلك لحداثته النسبية بالمقارنة مع الدول الصناعية, ولكن له مكانته, مع ذلك, في الحديث عن الادخار. ـ وفي نطاق الادخار التعاوني: يلاحظ أن هذا النوع من الادخار قد بدأ في التوسع في القطر العربي السوري في مجال التعاون السكني. وأخيراً لا بد من الإِشارة إِلى التقدم الملموس الذي حققته بعض المؤسسات الادخارية في القطر العربي السوري في السنوات الأخيرة, فقد بلغت الحسابات الجديدة المفتوحة في صندوق توفير البريد في عام 1988 نحو 3548 حساباًَ وبلغ عدد عمليات الإِيداع 272292 عملية, إِذ بلغت حصيلة هذه العمليات 3730 مليون ليرة سورية في حين بلغ صافي قيمة الودائع 5و776 مليون ليرة سورية. وقد ازدادت حصيلة شهادات الاستثمار التي يصدرها مصرف التسليف الشعبي بمبلغ 4452 مليون ليرة سورية في عام 1988. ولكن الحقيقة هي أن الإِجراءات المتخذة في سورية من أجل تشجيع المدخرات الفردية لم تستطع بعد أن تحد من الاستهلاك الكلي. ويفسر هذا الوضع لجوء الدولة إِلى الموارد الاستثنائية وعجز الموازنة العامة للدولة وما إِلى ذلك. ويؤكد هذا كله ضرورة دعم الادخار العام بالدرجة الأولى مع استمرار السعي لتشجيع المدخرات الخاصة قدر الإِمكان. الموضوع الأصلي : ...بحت عن الادخار... // المصدر : منتديات أحلى حكاية // الكاتب: AGILIED1 |
|